
تعتبر جودة التعليم من أكثر القضايا التي تجذب اهتمام الكثيرين، خاصة في ظل التطور المتسارع للمعرفة والتكنولوجيا والإنترنت. يسعى الجميع لتدريس أبنائهم في أفضل المدارس والجامعات، وينفقون كثيراً من الأموال لهذا الغرض. فهم على يقين أن ما ينفقونه من أموال سيحصدون مقابله في المستقبل عندما يكبر أبناؤهم، ويصبحون أطباء أو مهندسين، فكما تزرع تحصد، لكن كثيراً من المفارقات تحدث، فالنجاح يولد من رحم المعاناة.
كثيرون تخرجوا مهندسين وأطباء وشعراء وتجار ناجحين، لم يتلقوا ذلك القدر من التعليم في المدارس والجامعات المرموقة أو ذات السمعة الكبيرة أو تلك التي تتميز بتكلفتها المرتفعة، لكن الحقيقة تكمن في سؤالنا؛ ما الذي يمنع التلميذ من التميز والإبداع في أرقى وأفضل المدارس بينما يتميز ويلمع تلميذ آخر في أبسط المعاهد وأفقرها؟ أسئلة محيرة تدور رحاها حول المتعلم والمؤسسات التعليمية وثقافة المجتمع، كل ذلك يتطلب منا مزيد من التفكر!
يؤمن كثيرون أنه عندما تبرز الإرادة، وتزرع الثقة بالنفس، ويزداد الوعي عند المتعلم، عندها يتمكن المتعلم من النجاح وشق طريقه نحو المستقبل. الوعي والتخطيط والمتابعة والإصرار عوامل من شأنها أن تقود إلى النجاح. كما أن توعية الأبناء تكون على كاهل الأبوين فلا يكفي تأمين الطعام والمسكن والتعليم فقط، بل أيضاَ الإرشاد والتوعية لحقيقة هذا العالم بما فيه من تحديات مختلفة ومتنوعة.
يستفيد الأبناء من تجارب الكبار في مدرسة الحياة، حيث يرسم الأبوان في مرحلة التخطيط طريقًا مليئًا بالخبرات المتنامية التي تتناسب مع كل مراحل نمو الطفل. يسعى الأهل لتوفير بيئة تعليمية تربوية داخل المنزل، تشمل الألعاب التي تحفز خيال الطفل وتطور تفكيره، وتغرس فيه حب الاكتشاف وتنمي قدراته العقلية من خلال حل المشكلات والتفكير الناقد. هذا كله يساهم في تعزيز شخصية الطفل وصقلها بمرور الوقت.
الإصرار على التعلم ينبع إما من دافع خارجي أو داخلي. الدافع الخارجي يأتي من التحفيز الذي يوفره الأبوين والمعلمين والمدرسة، بينما ينبع الدافع الداخلي من داخل المتعلم نفسه، مرتكزاً على حب التعلم في مجال معين يتماشى مع اهتمامات وميول الطالب ولا شك أن من يمتلك الدافعية الذاتية هو بلا شك من الناجحين.
يقع الآباء في خطأ كبير عندما يركزون فقط على تحفيز المتعلم من خلال الحوافز الخارجية، مثل إغراء المتعلم بالهدايا والمكافآت المادية للحصول على علامات عالية. هذا النهج تتبعه بعض الأسر ذات الدخل المرتفع في المدارس المرموقة، بينما تسعى الأسر ميسورة الحال إلى تشجيع أبنائها على التعلم أملاً في تحسين وضعهم الاقتصادي.
تتنوع العائلات في اهتماماتها، فبعضها تُعرف بكثرة المتعلمين فيها، وأخرى تُعرف بكثرة التجار ورجال الأعمال، بينما تهتم بعض العائلات بالمهن أو الحرف التي توارثتها عن أجدادها وآبائها.
عندما تبرز الإرادة، وتزرع الثقة بالنفس، ويزداد وعي المتعلم، يبدأ بشق طريقه نحو المستقبل. فالوعي، والتخطيط، والمتابعة، والإصرار هي العوامل التي تقود إلى النجاح.
نعلم أن الفقر له آثار سلبية على التعليم، ومع ذلك، فإن كثيراً من الكُتَّاب والشعراء والناجحين سطع نجمهم من وسط الظلام لتتولد إبداعاتهم من وسط المعاناة، لأن روح التحدي زرعت في قلوبهم، معتمدين على التصميم والمثابرة. لذلك ثقافة المجتمع تلعب دوراً كبيراً في تحسين جودة التعليم، فالمجتمع شريك أساسي في العملية التربوية، إذ يحدد ما هو مقبول أو مرفوض من خلال معاييره وتقاليده.
في الختام، يحتاج التعليم إلى دعم اجتماعي وثقافي لنصل إلى تعليم ممتاز يخدم المجتمع ويسد احتياجاته.
كتب: عبد البصير عيد
كاتب ومحلل تربوي
コメント